البداية: ما هو نظام دوس (MS-DOS)
حاسوب IBM PC أول حاسوب يستخدم نظام دوس
على عكس الأنظمة الحاسوبية الحالية التي تعتمد على واجهات رسومية وأدوات تحكم مبسطة قدر الإمكان، فنظام دوس كما أنظمة وقته لم تكن تمتلك هكذا واجهة، بل أنها كانت تعتمد على توجيه الأوامر إلى الحاسوب على شكل كلمات. فالانتقال إلى مجلد مختلف يحتاج الأمر “cd” وفتح برنامج أو ملف ما يحتاج الأمر “start” وهكذا.
مع أن نظام دوس يستطيع التعامل مع دخل الفأرة ومتحكمات الألعاب، كما أنه يدعم البرامج ذات الواجهات الرسومية، فالنظام بحد ذاته مجرد من هذه الميزات. بالنتيجة لا يمكنك استخدام فأرة للتحكم بالنظام، ولن تتمكن من التعامل معه كما الأنظمة الحديثة.
عموماً من المثير للاهتمام هو أن الإصدارات الأولى من أنظمة ويندوز ووصولاً إلى نظام “ويندوز مي” (Windows ME) عام 2000 كانت مبنية على نظام دوس في الواقع. حيث كانت تلك الأنظمة أشبه بواجهة رسومية ملصقة فوق دوس، وكان من الممكن للمستخدم العودة لاستخدام دوس منها متى أراد بسهولة.
كيف جعل دوس شركة مايكروسوفت عملاقاً تقنياً؟
في عام 1981 كانت مايكروسوفت لا تزال شركة صغيرة نسبياً، حيث أنها كانت قد حققت بعض النجاح بتطوير بعض البرمجيات، لكنها كانت لا تزال مكونة من بضعة أشخاص فقط وبميزانية صغيرة. لكن عندما أتت شركة IBM التي كانت أكبر شركات الحواسيب حينها، وطلبت تطوير نظام تشغيل لحواسيب IBM PC الخاصة بها تغير كل شيء.
في حينها لم تكن مايكروسوفت تمتلك نظام تشغيل حقاً، لذا وبدلاً من تطوير نظام جديد تماماً قامت الشركة بشراء نظام يحمل اسم 86-DOS مقابل $75,000 (ما يوازي $212,000 بأموال اليوم)، وبعد بعض التعديلات عليه قامت بتسميته Microsoft DOS وقدمته لشركة IBM التي ارتكبت واحداً من أكبر الأخطاء حينها: قامت بترخيص استخدام النظام بدلاً من شرائه تماماً.
مع كون IBM لم تحصل على حقوق حصرية لاستخدام MS-DOS، فقد تمكنت العديد من الشركات من استنساخ فكرة IBM وتطوير حواسيب مشابهة لحواسيبها، ومن ثم ترخيص استخدام نظام MS-DOS من مايكروسوفت. خلال أول عام فقط قامت أكثر من 70 شركة بهذه الخطوة وفجأة امتلأ السوق حتى التخمة بحواسيب مستنسخة من IBM وتمتلك نفس النظام تماماً وكانت تسمى “IBM Compatible”.
أسوأ صفقة في التاريخ التقني
اتفاقية ترخيص دوس تركت الباب مفتوحاً أمام عشرات النسخ لحواسيب IBM ودمرت هيمنتها على السوق.
عادة ما توصف صفقة ترخيص نظام دوس إلى IBM بأنها من أسوأ الصفقات التقنية إن لم تكن الأسوأ تماماً. حيث أن الصفقة أدت مع الوقت إلى تراجع حصة IBM في سوق الحواسيب، حيث كانت الشركة هي أكبر مصنعي الحواسيب في العالم، لكن مع فيضان الشركات المقلدة التي تقدم نفس المواصفات والنظام وبسعر أدنى انخفضت قدرة الشركة على المنافسة تدريجياً حتى خرجت من مجال صناعة الحواسيب بشكل كامل لاحقاً.
من الناحية الأخرى، كانت الصفقة هي أساس نجاح مايكروسوفت ومن ثم هيمنتها على قطاع الأنظمة في العالم. حيث أن الترخيص ترك للشركة حق ترخيص المنتج لأية شركات أخرى تريدها، ومع تزاحم الشركات على ترخيص النظام وإنتاج حواسيب متوافقة معه تمكنت مايكروسوفت من الازدهار بسرعة كشركة برمجيات كبرى.
مع الوقت قدمت مايكروسوفت العديد من التطويرات المتتالية لنظام دوس، وحتى بعد تقديم الواجهة الرسومية في ويندوز 1.0 والإصدارات المتتالية، بقيت هذه الأنظمة مبنية فوق دوس نفسه الذي حمل الشركة وقطاع الحواسيب ككل وصولاً حتى مطلع الألفية عندما توقف تماماً وتمت إزاحته لصالح بنية NT ضمن أنظمة ويندوز التالية.
كيف جعل دوس عالم الحواسيب متناسقاً أكثر
في الوقت الذي صدر فيه نظام دوس، كان عالم الحواسيب مقسماً إلى عدد كبير من الشركات المختلفة. وكل من هذه الشركات كانت تمتلك طرق تصنيع خاصة بها وتصمم أنظمة خاصة بها حسب حاجتها. بالنتيجة كان السوق مجزءاً إلى عدد كبير من المنافسين الصغار نسبياً. وبينما كانت IBM هي اللاعب الأكبر، فهي لم تكن الوحيدة دون شك بل أن شركات مثل Apple وCommodore وحتى Atari تنافس بقوة في المجال.
في الواقع لم يكن دوس متفوقاً بشكل كبير على الأنظمة الأخرى، وسرعان ما ظهرت أنظمة أكثر تطوراً مثل نظام “Lisa OS” ذي الواجهة الرسومية. لكن ما قدمه دوس هو ببساطة الاستمرارية: طالما أنك مستخدم لنظام دوس يمكنك الاستمرار باستخدامه طوال الوقت وستبقى برامجك معك دائماً.
في ذلك الوقت كانت البرمجيات المتاحة نقطة هامة للغاية للجذب، وبينما كانت معظم الأنظمة تتيح بعض البرمجيات والألعاب الأساسية فقط، فقد كان العمل يحتاج للإعادة مجدداً مع الجيل القادم من حواسيب نفس الشركة. بالمقابل كانت البرامج المصممة لأولى إصدارات نظام دوس تعمل كما هو مطلوب في الإصدارات التالية حتى 20 عاماً لاحقة.
وبينما كانت بعض الشركات العنيدة تقاتل معركة خاسرة بمحاولة تسويق حواسيبها الجديدة مع حزم برامج وألعاب صغيرة مصممة لها، قررت الكثير من الشركات اتباع الطريقة السهلة والاعتماد على مايكروسوفت ونظامها الذي يستمر بدعم البرامج القديمة. ومع الوقت سقطت جميع الشركات التي رفضت التعاون مع مايكروسوفت باستثناء Apple، لكن حتى Apple كادت أن تسقط في التسعينيات لولا مساعدة مايكروسوفت لها باستثمار مالي كبير.
الإرث الذي تركه نظام دوس
كان نظام Windows Me آخر إصدارات ويندوز المبنية على MS-DOS ومعه انتهت قصة النظام.
من حيث المبدأ، من الممكن تشبيه التغيير الذي أحدثه نظام دوس في عالم الحواسيب بذاك الذي تركه أندرويد في عامل الهواتف. ففي الحالتين كان هناك العديد من الشركات التي تطور أنظمتها الخاصة بهواتفها والمختلفة عن بعضها، وبالطبع كان من الصعب أن تعثر على هاتفين من شركتين مختلفتين يستطيعان تشغيل نفس التطبيقات.
سواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ، فالدور الأساسي للتغيير الذي أحدثه دوس ولاحقاً أندرويد هو جعل السوق مركزاً بيد عدة لاعبين فقط. حيث أنظمة الحواسيب اليوم متركزة بين ويندوز وماك (مع بعض المنافسة من كروم)، بينما الهواتف متركزة بين أندرويد وiOS. هذا الأمر يمتلك تأثيراته السلبية دون شك، حيث أن المنافسة الأشد عادة ما تقود لإبداع أكبر، لكنه يمتلك أثراً إيجابياً دون شك.
الأثر الأهم ربما هو جعل البرامج والتطبيقات والألعاب أسواقاً حية أكثر، حيث بات هناك بيئات كبيرة كفاية لتشجيع صنع برامج وألعاب موجهة حتى لأصغر الفئات الموجودة مع تنوع كبير للغاية في الخيارات. وكما كان هناك موجة كبرى من ألعاب الحواسيب والبرامج تالية لظهور دوس، لا يمكن إنكار أن انتقال سوق الهواتف إلى أندرويد وiOS هو العامل الأساسي بكون ملايين الألعاب والتطبيقات متاحة للهواتف اليوم.