#

لماذا لا يزال إنترنت إكسبلورر يأتي مثبتاً مع ويندوز؟ ولماذا يرفض الموت حتى الآن؟

عندما كان إنترنت إكسبلورر ملكاً

هيمنة إنترنت إكسبلورر على السوق

في وقت من الأوقات احتل إنترنت إكسبلورر حتى 90% من سوق المتصفحات لوحده.

اليوم بات اسم إنترنت إكسبلورر هو مجرد نكتة وكناية عن البطء الشديد، حتى أن بضعة صفحات فيسبوكية تتبنى الفكرة وتسمي نفسها باسم المتصفح لتنشر أخباراً انقضى عليها سنوات. لكن إكسبلورر اليوم النكتة لم يكن دائماً هكذا، وفي التسعينيات وحتى مطلع الألفية كان يمتلك حصة الأسد من السوق ولم يكن يمتلك أي منافسين حقيقيين.

بالوصول إلى عام 2002 كان إنترنت إكسبلورر يسيطر على أكثر من 90% من سوق المتصفحات ولا يمتلك أي منافس حقيقي لهيمنته. وفي حينها كان هناك عدة أسباب لهذه السيطرة وعلى رأسها أنه المتصفح الافتراضي مع النظام. لكن كونه افتراضياً لا يعرض الصورة الكاملة، بل الواقع هو أن إنترنت إكسبلورر كان متفوقاً على أي متصفح آخر وسابقاً للمنافسين بسنوات.

كما أي شيء يسيطر على سوق بشكل شبه كامل، لم يكن إنترنت إكسبلورر يلتزم بالقواعد. وبينما كان هناك أساسيات متفق عليها من المتصفحات الأخرى بشأن التصميم وطريقة العرض، كان إنترنت إكسبلورر يعتمد معاييره الخاصة التي تسببت بجعل الصفحات المصممة للمتصفحات الأخرى تظهر بشكل مشوه ضمنه، والعكس صحيح كذلك.

استخدام إنترنت إكسبلورر لمعاييره الخاصة بدلاً من الالتزام بما هو متعارف عليه جعله المتصفح المفضل في الواقع، فالحصة السوقية الأكبر تعني أن المصممين سيصممون وفق معاييره. وكون التصاميم تبنى لأجله فالمستخدمون سيجدون استخدامه أفضل من سواه. على أي حل أبقِ هذه المعلومة في ذاكرتك لأنها هي السر خلف بقاء إكسبلورر موجوداً اليوم.

اقرأ المزيد: ما هو وضع التصفح الخفي (Incognito) وكيف يمكنك استخدام المتصفح الخفي والاستفادة منه

من القمة إلى القاع

انهيار حصة إنترنت إكسبلورر إلى القاع

دون الحاجة إلى دليل للمخطط، من الواضح أن إنترنت إكسبلورر مميز بالخط الأزرق اللون

بالإضافة لكون نسخ نهاية التسعينيات ومطلع الألفية من IE متفوقة على غيرها، فالواقع هو أن المنافسة كانت معدومة. حيث Netscape كان يعاني الأمرين، وOpera لم يكن يوماً المتصفح المفضل. والأسماء التي نعرفها اليوم مثل Chrome وFirefox لم تكن موجودة بعد بل أنها صدرت في عامي 2002 و2008 على الترتيب.

بعد أن كان إنترنت إكسبلورر هو من يقود الطريق من حيث الميزات والسرعة، أتت المنافسة بقوة من Firefox (الذي طوره موظفون سابقون في Netscape) الذي وصل حتى 32% من السوق عام 2009، ومن ثم Google Chrome الذي تسيد الساحة وبقي حتى الآن أكثر المتصفحات استخداماً.

في الواقع لم تكن السمعة السيئة لإكسبلورر موجودة أصلاً في مطلع الألفية، بل أنها بدأت بالظهور منذ عام 2010 تقريباً، ومنذ حسنها باتت أسوأ وأسوأ مع استمرار كون إنترنت إكسبلورر أبطأ وأسوأ من حيث الميزات مقارنة بالمتصفحات الأخرى، ليصل أخيراً إلى نهاية حياته مع توقف تطويره من قبل مايكروسوفت واستبداله بمتصفح Edge.

المتصفح الزومبي

معظم المستخدمين اعتقدوا أن عصر إنترنت إكسبلورر قد انتهى بقدوم متصفح “إيدج”. لكن الحقيقة هي أن إكسبلورر لم يمت حقاً، بل بات أشبه بالزومبي. حالياً يقدر أن بين 5 حتى 9% من استخدام المتصفحات على الحواسيب يتم باستخدام إنترنت إكسبلورر. هذه النسبة أكبر من حصص أي من Opera أو Safari وحتى أكبر من حصة Edge الذي يفترض أن يكون البديل!

مع كون إكسبلورر لا يزال مستخدماً على نطاق أوسع من إيدج نفسه لا بد من تفسير سوى أنه “يأتي مثبتاً مسبقاً”، والتفسير هنا هو الأمر الذي طلبت منك أن تتذكره أعلاه: إنترنت إكسبلورر لم يكن يلتزم بالقواعد بل كان يصنع قواعده بنفسه، وبالنتيجة ما كان يصنع لإكسبلورر لم يكن يعمل بالشكل الصحيح مع سواه.

في الفترة التي كان فيها إنترنت إكسبلورر هو المسيطر، كان من المنطقي أن العديد من الشركات الكبرى والمؤسسات تعتمد على هذا المتصفح عند بناء برمجياتها وخدماتها سواء المخصصة للمستخدمين ضمن الشركة نفسها أو حتى للمستخدمين العاديين بشكل عام. هذا الأمر شكل مشكلة كبرى لاحقاً، لسببين بسيطين: ما صمم لمتصفح إنترنت إكسبلورر يعاني من مشاكل مع بقية المتصفحات، والشركات الكبرى عادة ما تتأخر كثيراً في تبني تقنيات أحدث.

كيف حافظت البيروقراطية على إنترنت إكسبلورر

مكتب قديم

 

كمستخدم عادي يبدو الانتقال من متصفح إلى آخر أمراً بسيطاً نسبياً، كل ما تحتاجه هو نقل علامات Bookmark المحفوظة ومعلومات حساباتك، وخلال وقت قصير ستتمكن من الانتقال تماماً دون الكثير من المشاكل. لكن الشركات والمنظمات وحتى الحكومات لا تمتلك هذه المرونة، بل أن عمليات الانتقال هي واحدة من أصعب الأمور وأكثرها تكلفة.

يمكن ملاحظة مقدار تردد الجهات الكبرى بهذا الخصوص من كون الترسانة النووية الأمريكية كانت تحت تحكم حواسيب من السبعينيات، وهناك مطارات تستخدم نظام Windows 95 حتى فترة قريبة. وعندما يكون الحديث عن منظمات كبرى تستخدم برمجيات وخدمات خاصة للغاية وفق معايير قديمة يصبح إقناع هذه الخدمات بالترقية أمراً صعباً للغاية.

بالنسبة لشركة جديدة يمكن تبني أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا ببساطة، لكن بعد عدة أعوام عندما يكون هناك الخيار بين الاستمرار على المنصة الأصلية وتطويرها أو البناء وفق معايير جديدة عادة ما يكون الخيار الأرخص والأفضل هو الاستمرار وفق القديم. على مدى أعوام قليلة الأمر ليس مشكلة حقاً، لكن عندما تتراكم هذه الترقيات واحدة تلو أخرى من السهل أن تجد الشركات نفسها في موقف صعب، فهي تستخدم برمجيات مهجورة، وبالمقابل تكلفة الترقية المالية والزمنية أكبر بكثير من تحملها.

حتى اليوم لا تزال العديد من المواقع الحكومية والبنكية في الدول المتقدمة تعتمد على إنترنت إكسبلورر وعلى أنظمة قديمة. هذا قد يبدو غير منطقي نظراً لكون بنوك وحكومات العالم العربي تستخدم معايير أحدث، لكن ببساطة نتيجة تأخر وصول هذه التقنيات إلى العالم العربي لم نعلق وسط التقنيات القديمة. وبينما بلد متطور مثل كوريا الجنوبية يرغم المواطنين على إكسبلورر لتعاملاتهم البنكية، بلدان أقل تطوراً وأحدث عهداً بالتقنية لا تفرض قيوداً مشابهة.

الموت قادم لا محالة، لكن ببطء

نهاية إنترنت إكسبلورر

على الرغم من أن إنترنت إكسبلورر يبدو متمسكاً بشدة بمكانه حتى الآن ولأسباب وجيهة، فالأمر لن يبقى هكذا للأبد والواقع هو أن كل يوم جديد يحمل معه انحساراً إضافياً (ولو كان ضئيلاً) للمتصفح. بمرور الزمن بات استخدام إنترنت إكسبلورر أو Windows XP مثلاً عبئاً أكثر مما هو راحة للمستخدم العادي، وعندما يختل التوازن لصالح العبء من المنطقي أن ينتقل المستخدمون لشيء أحدث وأسهل ولو كان الانتقال متعباً.

بالنسبة للشركات والمنظمات قد يكون وزن الراحة أكبر بكثير بحيث يجعل الانتقال أصعب، لكن عاجلاً أم آجلاً سيأتي وقت تتفوق فيه العيوب على الميزات، وبالأخص المشاكل الأمنية الناجمة عن استخدام برمجيات قديمة لم تعد مدعومة. وربما كارثة برمجية الفدية WannaCry التي حصلت عام 2017 خير تذكار لما يمكن أن يحصل عندما تقوم مؤسسات هامة مثل خدمة الصحة البريطانية باستخدام برمجيات تجاوزت عمرها التشغيلي.

مؤخراً تخلت الولايات المتحدة عن الحواسيب المسنة التي كانت مستخدمة للتحكم بأسلحتها النووية، وبشكل غير واضح للجميع ربما فقد تخلت معظم الشركات عن الأنظمة والخدمات القديمة، وشيئاً فشيئاً سيصبح إنترنت إكسبلورر كما الكثير من الأمور شيئاً من الماضي، لكن الأرجح أن هذا الوقت لن يأتي قبل بضعة سنوات قادمة.